إبطال دعوى ترك الرواية عن أبي بكرة | الشيخ صالح العصيمي
ذكر المصنف حفظه الله في هذه الجملة الوجوه التي تدفع في صدر دعوى المدعي بأن جلد أبي بكرة رضي الله عنه في شهادته على المغيرة رضي الله عنه بالزنى موجب لرد روايته وعدم قبول حديثه.
وقد ذكر حفظه الله نقولا عدة من كلام أهل العلم رحمهم الله تعالى.
وحاصل ما يستفاد من هذه الأقوال: أن هذه الدعوة مردودة من خمسة أوجه:
* الوجه الأول: أنه لم يمتنع أحد من التابعين فمن بعدهم من رواية حديث أبي بكرة والاحتجاج به؛ بل نقل البيهقي الإجماع بأن كل من روى عن النبي ﷺ من أصحابه لم يتهمه أحد ممن يحسن علم الرواية فيما روى.
* والوجه الثاني: أن أهل عصر أبي بكرة من الصحابة والتابعين الراويين عنه لم يتوقف أحد منهم في قبول رواية أبي بكرة رضي الله عنه ، ولو وقع هذا لنقل إلينا؛ بل كتب الرواية مشحونة بحديثه دون نكير.
* الوجه الثالث: أن رواية الحديث من باب الخبر، وباب الخبر باب غير الشهادة؛ فبينهما فروق، ذكرها ابن القيم في «بدائع الفوائد»، والقرافي في «الفروق».
ولو سلم بأن شهادة أبي بكرة ترد، فما الحجة في رد خبره؟! إذا قد ترد شهادة أحد ولا ترد أخباره بل تصدق.
* الوجه الرابع: أن ما وقع من أبي بكرة رضي الله عنه هو شهادة في قذف، والشهادة يسوغ فيها الاجتهاد، وما ساغ فيه الاجتهاد لا يكون موجبا لرد شهادة المسلم ولا خبره.
* الوجه الخامس: أنه لو سلم أن أبا بكرة رضي الله عنه ذكر تلك الواقعة بغير لفظ الشهادة، وأن ذلك أوجب رد شهادته؛ فإن هذا الرد يرفع بتوبته، والظن الحسن بأصحاب النبي ﷺ مبادرتهم إلى التوبة، وهم أسبق الناس إلى الخير، وأبعدهم عن الشر، ومن ظن بهم أو بأحد ظن السوء فبئس ما ظن.
فهذه أوجه خمسة يستفاد منها براءة أبي بكرة رضي الله عنه ، وهي بحمد الله تدك شبهة من تعلق بهذه الدعوى، ولا تبقي منها شيئا، والحق بحمد الله واضح جلي، والباطل مضمحل زائل.
* وانقدح في قلبي الآن وجه سادس: وهو أن أبا بكرة رضي الله عنه راوي الحديث المشتمل على تعظيم شهادة الزور وتقبيحها؛ فقد روى الشيخان من حديث أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟»، قلنا: بلى يا رسول الله؛ فقال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين»، وكان متكئا فجلس، فقال: «ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور»، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.
ولم ينقل هذا الخبر في «الصحيحين» من رواية أحد من الصحابة أصح من نقل أبي بكرة.
فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد ائتمن أبا بكرة رضي الله عنه في رواية هذا الخبر العظيم في باب شهادة الزور؛ أفيظن أن نقل هذا الباب من الشريعة يوقف على راو يرد خبره؟! لا ولا ريب؛ ففي ذلك أيضا دليل على براءته رضي الله عنه من هذه الدعوى.
-
فئة
-
الفئة الفرعية
لم يتم العثور على تعليقات