أربعة أصول مهمة لطالب العلم | الشيخ صالح العصيمي
وقبل الشروع في إقراء هذا الباب وبيان معانيه أحب أن أنوه بأصلين في العلم، يورثان أصلين في العمل:
فأما الأصلان المنوه بهما في العلم:
* فالأول منهما: أن العلم حياة؛ فإن الله سبحانه وتعالى جعل العلم سببا من أسباب حياة القلوب؛ قال الله تعالى: ﴿أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها﴾ [الأنعام:122]؛ وهذا مثل ضربه الله للمؤمن الذي جعل له سبحانه نورا، فاهتدى به من ظلمات الكفر والجهالة والغواية.
ولا يحصل للعبد نور إلا بنور العلم؛ فإن معرفة ما يجب على العبد تفتقر إلى علم؛ وبه بعث النبي ﷺ.
ولأجل هذا كان العلم حياة للقلوب
ولشرفه وعظيم أثره؛ لم يؤمر النبي ﷺ أن يطلب ربه الزيادة من شيء ينفعه إلا الزيادة من العلم؛ كما قال الله تعالى: ﴿وقل رب زدني علما ﴾ [طه:114].
فاختص سؤاله ﷺ ربه الزيادة من شيء بأن سأله الزيادة من العلم؛ لأن العبد إذا زاد علما زاد حياة.
والمراد بـ (العلم) - قطعا -: العلم الذي جاء به الوحي من ربنا عز وجل ، ونزل على محمد ﷺ.
فينبغي أن يقر في قلبك أن العلم حياة.
* والأصل الثاني: أن الحياة ينبغي أن تكون علما؛ أي أن تعمر هذه الحياة بالعلم؛ فلا سعادة ولا طيب عيش فيها إلا بأن يشتغل الإنسان بالعلم.
فإن الله قال لنبيه ﷺ: ﴿ فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم *﴾ [الزخرف:43]، وأمر النبي ﷺ بهذا الاستمساك؛ ليعمر حياته كلها بمحاب الله ومراضيه.
ولا سبيل إلى ثبات العبد على محاب الله ومراضيه والاستكثار منها إلا بأن يشغل عمره بالحياة؛ وهذا معنى قوله تعالى: ﴿ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين * ﴾ [الحجر:99]، ولا يمكن أن يبقى العبد كذلك عابدا الله حتى يأتيه الموت إلا باستمراره مع أعظم ما ينفعه، وهو العلم.
وإذا وعى أحدنا هذين الأصلين المتقدمين من العلم؛ فإنه ينبغي أن يورثاه أصلين من العمل:
* أحدهما: تثبيت الإنسان نفسه على هذا؛ فإذا قر في قلبك أن العلم حياة، والحياة علم؛ فينبغي أن تثبت نفسك على هذا، فإنه أعظم ما يوصلك إلى النجاة في الدنيا والآخرة.
وأعظم آية في الثبات: قوله تعالى: ﴿ يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ﴾ [إبراهيم:27].
وقد ذكر الله عز وجل في هذه الآية أربعة أمور تتصل بالثبات:
أوَّلها: المثبِّت.
وثانيها: المثبَّت.
وثالثها: المثبَّت به.
ورابعها: المثبَّت فيه.
فأما المثبِّت فهو الله سبحانه وتعالى؛ إذ قال: ﴿ يثبت الله ﴾ ؛ فلا سبيل إلى تثبيت أحدنا نفسه على الحق بقوته أو ماله أو حسبه أو نسبه أو شهادته؛ وإنما إذا شد يده بصلته بربه سبحانه وتعالى، وأعظم إقباله عليه، وكان عبدا له؛ فإن الله عز وجل يثبته.
وأما المثبَّت فهم الذين آمنوا من عباد الله عز وجل .
وذكرهم الله عز وجل بأعظم مرتبة لهم خوطبوا بها القرآن نداء، وهي ﴿ يا أيها الذين آمنوا ﴾؛ فقال: ﴿ يثبت الله الذين آمنوا ؛ ليعلم أن ثباتك على قدر إيمانك؛ فمن عظم إيمانه قوي ثباته، ومن ضعف إيمانه خشي عليه أن تزل قدمه عن الثبات.
وأما المثبَّت به فهو القول الثابت؛ والمراد به: اللازم الحق؛ الذي لا يتغير ولا يتكدر.
والذي يوقفك على هذا الحق الثابت والقول الثابت هو العلم، ومن عرفه في الدنيا؛ ثبته الله عز وجل عليه في الآخرة.
وأما المثبَّت فيه فهو دار الدنيا، ودار الآخرة.
فينبغي أن يجتهد أحدنا في تثبيت نفسه على الأصلين الأولين المتقدم ذكرهما؛ وهذا يقتضي منه ألا يعلق نفسه بأحد من الخلق سوى النبي ﷺ.
فالمعلمون مهما بلغ إتقانهم، والناصحون مهما عظم إرشادهم؛ فإن الله عز وجل لم يجعل أحدهم منحة للخلق بعد النبي ﷺ؛ فإنه يغني، ولا يغني عنه أحد ﷺ.
فلا ينبغي أن ينقطع الإنسان عن التماس العلم وجمعه وتحصيله لانقطاع درس أو فقدان كتاب، أو غير ذلك من القواطع التي تعرض له.
* والأصل الثاني: أن يتخذ ملتمس العلم من الخلق أخلاء يعينونه عليه ويعاونونه فيه؛ كما قال الله تعالى: ﴿وتعاونوا على البر والتقوى ﴾ [المائدة:2]، وأعظم المعونة على البر والتقوى هي المعونة على العلم.
والناس مجبولون على قيام مصالحهم بمعونة بعضهم بعضا.
وفي «الصحيحين» من حديث بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضا»، وشبك ﷺ بين أصابعه.
ويتخير أحدنا من الخلان الذين يتخذهم في العلم من يكون متمسكا بالسنة، حريصا على الخير، مجتهدا في العلم؛ فإنه بذلك تعظم نجاته.
وفي «سنن أبي داود» و«الترمذي» من حديث زهير بن محمد، عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «الرجل على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل».
فهذه أربعة أصول نافعة؛ منها اثنان يتعلقان بالعلم، واثنان يتعلقان بالعمل، أحببت التنويه إليها والإشادة بها عند افتتاح هذا الدرس مرة أخرى باستكمال ما انتهينا إليه منه.
-
فئة
-
الفئة الفرعية
لم يتم العثور على تعليقات