watermark logo

أصل مهم في فقه التعليم وحسن التدريس | الشيخ صالح العصيمي

1 المشاهدات

0

قطوف العصيمي

وقد ذكر المصنف أنه يرتب رده على هذه المقامات الخمسة واحدا بعد واحد، بعد أن يذكر مقال المردود عليه كاملا.
وسنعرض عن قراءة مقال المردود عليه؛ لئلا يستمع إلى هذه القطعة أحد ممن يتابع الدرس عبر البث ثم يتوهم أن هذا القول هو تقرير لما ذكره قائله، وقد لا يتابع معنا الدرس.
وقاعدة الشريعة: الاحتراز في صيانة الناس من الوقوع في الشبه.
فقد يعرض أن بعض السامعين يدخل في أثناء الدرس فيسمع هذا القدر الذي يقرأ المشتمل على الباطل، فيعلق ذلك بقلبه وينقطع وقته عن متابعة بقية الكتاب! ولذلك نعرض عن قراءته؛ حرصا على صيانة قلوب الناس من الشبهات.
وأما إيراده في الكتاب مكتوبا فلا بأس به؛ لأنه بين يدي قارئه وسيطالعه كله.
وهذا الاحتراز أصل مهم.
ومن اللطائف التي أذكرها ليعلم الفرق بين مجرد العلم وبين الفقه: أن ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى طلب منه الفتوى في رجل كان من خصومه، تغيرت عليه الأيام بعد أن كان ذا مقام حسن عند الدولة في ذلك الزمان؛ فكتب القضاة - الذين طلب منهم أن يفتوا في حقه لأجل أمر عرض - في قتله، ثم جاءوا إلى ابن دقيق العيد لأنه كان رأس فقهاء المالكية والشافعية، فطلبوا منه أن يكتب معهم إلى الملك في طلب قتل هذا الرجل مقابل الزلة التي وقعت منه، وهي في تقديرهم تصل إلى القتل، وأما هو فرأى أنه يعزر بما دون القتل.
فقال له بعضهم بعد أن رفض أن يكتب معهم: اكتب اسمك، واكتب: لا يقتل.
أي تكتب العريضة أنه وقع كذا وكذا، ثم يكتب قضاة العدل والعلماء الذين تعرض عليهم، فيكتب كل واحد منهم: (يقتل) ويكتب اسمه، والمقتضى أن يكتب ابن دقيق العيد: (لا يقتل)، ويكتب اسمه.
فقال: لا، وما زالوا يحاولون معه فأبى.
فلما خرجوا من عنده قال له بعض أصحابه: ما لك لم تكتب معهم وتكتب: (لا يقتل)؟
فقال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى: يا فقيه؛ إنهم يدخلون إلى الملك فيقولون: وهذا ابن دقيق العيد قد كتب، ثم لا يسألهم: ما كتب ابن دقيق العيد!!
فانظروا إلى فقهه؛ رأى أن مجرد كتابة اسمه من غير إمكان الدخول على ولي الأمر والبيان له قد يحصل فيه شيء من الغلط على حكم الشريعة تجاه هذا.
لذلك ينبغي أن يتصون الإنسان من الإضرار بالمسلمين في أفكارهم وعلومهم.
وهذا أصل قد أخل به الناس كثيرا؛ ولذلك صار الضرر عند المتعلمين كثيرا في وقائع أحوالهم؛ لأن كثيرا من المتصدرين للتعليم صاروا لا يهتمون بطريقة الشريعة في تعليم المتعلم.
وإذا رأى الإنسان طرائق النبي ﷺ في تعليم المتعلمين، وكيف أنه ﷺ كان يعطي كل أحد ما يناسبه، كما ذكره العلماء في وصايا النبي ﷺ المختلفة.
وسبق بيان هذا في إقراء «الوصية الصغرى» لشيخ الإسلام ابن تيمية في برنامج (الدرس الواحد الأول)، وكيف أن النبي ﷺ ربما منح بعض أصحابه علما ومنع غيره منه، وبوب على ذلك البخاري رحمه الله تعالى في «صحيحه»، وذكر هذا إمام الدعوة في (الباب الثاني) من «كتاب التوحيد».
ولذلك ينبغي لطالب العلم ألا يحرص على معلم يسمعه كثيرا، ولكن ينبغي أن يحرص على معلم يحسن تعليمه.
وقد جربنا في الناس أمورا من هذا، ووجدنا ضررها عليهم وبيلا، وإن كانت في حق المتكلم ينتفع بها.
فإني أذكر - في مبادئ التدريس - أنني كنت إذا ذكرت شيئا من المأثور أوردته بإسناده؛ فرأيت الطلبة بعد ذلك يعتنون بحفظ الأسانيد ولا يعتنون بفهم المسائل! ونحن ماذا ننتفع من إنسان يحفظ الإسناد ولا يعرف المسألة؟! لذلك عدلنا عن هذه الطريقة.
والمقصود أن تعرف أنه ينبغي أن تحرص على من ينفعك، لا على من تستمع بدرسه؛ فالاستمتاع شيء والنفع شيء آخر.
ولهذا؛ فإن دروس العلماء الكبار تختص بهذه الميزة.
وكثير من الطلبة يأتي إلى درس العالم الكبير فيسمع قليلا، ويذهب إلى من دونه فيسمع كثيرا؛ فيقول: فلان أعلم من العالم الفلاني، ودرس فلان أفضل من درس العالم الفلاني!
والحق أن انتفاع الطالب بدروس هؤلاء العلماء الكبار أكثر من انتفاعهم بدروس من دونهم من المتصدرين في التعليم.
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم حسن التعليم وفقه التدريس.

أظهر المزيد

0 تعليقات ترتيب حسب

لم يتم العثور على تعليقات

التالي