watermark logo

التحذير من تصدير مشاهير العصاة لوعظ الناس بعد توبتهم | الشيخ صالح العصيمي

2 المشاهدات

0

قطوف العصيمي

التهنئة بالتوبة

أخرج الشيخان عن كعب بن مالكٍ في قصة توبته قال: «وانطلقت أتأمم رسول الله ﷺ، يتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئوني بتوبتي، ويقولون: ليهنأك توبة الله عليك، حتى طلحة بن عبيد الله يهرول صافحني وهنأني». فكان كعب لا ينساها لطلحة.
قال كعب: فلما سلمت على رسول الله ﷺ قال - وهو يبرق وجهه من السرور -: «أبشر بخير يومٍ مر عليك منذ ولدتك أمك».

___________________________________
إذا انخلع الإنسان من رق الذنوب وتاب إلى ربه سبحانه وتعالى، كان من المشروع في حقه: التهنئة بتوبة الله عز وجل، وتوفيق الرب عز وجل له إلى التوبة، وترك ما كان عليه من المعاصي والسيئات.
لكن إشهار ذلك وإظهاره - كما درج عليه الناس إذا تاب رجل مشهور بالعصيان - يخشى أن يفتح بابا من الافتتان على هذا التائب، فيقدم للحديث عن ذنوبه الماضية! فيقع في بليتين اثنتين:
* إحداهما: كشف المستور، والمجاهرة بالمحذور.
والله سبحانه وتعالى ستير يحب الستر؛ وإذا ستر الله عز وجل على عبده في ذنوبه فإن اللائق في مقابلة كرم الله عز وجل - إذ وفق العبد للتوبة - أن يكتم ما صدر عنه من ذنبٍ؛ إلا أن يذكره على وجه الإجمال تذكيرا لا قصدا؛ فإن أصحاب النبي ﷺ كانوا يتحدثون بأحاديث في الجاهلية، لكن كان ذلك بحضرة النبي ﷺ، وله الصدارة في الإرشاد والإخبار والإعلام إذا زل أحد منهم.
أما أن يتصدر بالحديث عما مضى فقد يقع في محذوراتٍ كثيرةٍ من الغلط على الشريعة.
* والبلية الثانية: فتح باب الفتنة على هذا التائب.
إذ قد يتصور - بما فعل من ترك الذنوب وتقديمه للحديث - أنه صار محلا للصدور عن رأيه في مهمات الدين، فصار الفنان أو الرياضي أو الممثل أو غيرهم ممن تاب من مدةٍ يسيرةٍ سرعان ما ينتصب لوعظ الناس وإرشادهم! بل يتبع ذلك إفتاءهم وإجابتهم عن سؤالاتهم!
وهذا باب من عرف أحوال الناس رآه يقينا.
وقد يقول قائل: إن في هذا نفعا للناس، وقد انتفع بمثل هذه الأشياء ناس كثير.
فنقول: هذا من أعظم أبواب الغلط على الشريعة منذ القديم؛ فإن انتفاع جمعٍ من الخلق بمثل كلامه لا يخرج عن واقعٍ قدريٍ، ونحن متعبدون بحكم الشرع، لا بحكم القدر.
فلو أن إنسانا وقع منه شيء من المقدورات أجراه الله عز وجل على يديه، مع كونه ليس محلا لذلك؛ فلا يدل على صحة فعله.
كما أن الساحر والكاهن إذا دفع شر كائدٍ - من عينٍ أو سحرٍ أو نحو ذلك - لم يكن ذلك دليلا على صحة فعله.
وكذلك إذا انتفع بشيءٍ من هذه الأمور في حق أناسٍ، لا يدل ذلك على مشروعية هذه الأشياء.
زد على ذلك: أن هذه الأمور بأخرةٍ صارت تمزج برقةٍ في الدين، ووهنٍ في الشريعة، وغلبة هزلٍ وغثاءٍ على أقوال أصحابها، كما تعرفون أسماء الأشرطة التي صارت تصدر بهذه المعاني.
وقد قال ابن مسعودٍ: «إن هذا الدين جد؛ فإذا خلطتموه بالهزل مجته القلوب».
وصدق رحمه الله؛ فإن قلوب المؤمنين يثقل عليها سماع مثل هذه الدعاوى، أما القلوب الفارغة من محبة الله ومحبة رسوله ﷺ وتعظيم الشريعة فإنها تتسارع - بل تتصارع - على الاستباق إلى سماع هذه الأشياء، مع قلة نفعها لأهلها وغيرهم.
وكم من إنسانٍ قدم وصدر على هذه الحال، فما هي إلا مدة يسيرة حتى رجع إلى ما كان عليه.
والمقصود: أن التائب يهنأ، ولا يدفع إلى مقامٍ ليس له.

أظهر المزيد

0 تعليقات ترتيب حسب

لم يتم العثور على تعليقات

التالي